كتب في 15 مايو 2025

بعد مائة عام من صدوره.. كتاب “فرنسا إسبانيا وحرب الريف” يصدر لأول مرة بالعربية

بعد مائة عام من صدوره.. كتاب “فرنسا إسبانيا وحرب الريف” يصدر لأول مرة بالعربية

ناظورسيتي:

صدر حديثاً عن مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية عمل تاريخي بالغ الأهمية في سياق الذاكرة الجماعية الريفية والمغربية، ويتعلق الأمر بالترجمة العربية لكتاب “فرنسا، إسبانيا وحرب الريف” للكاتب والصحافي البريطاني الشهير والتر هاريس، وهي الترجمة الرابعة للباحث والمترجم حسن الزكري، الذي سبق أن أخرج إلى القارئ العربي أعمالاً أخرى للمؤلف ذاته، مثل “المغرب الذي كان” و*“أرض سلطان إفريقي”*.

يكتسي هذا الإصدار طابعًا خاصًا، كونه لا يسلط الضوء فقط على تفاصيل واحدة من أكثر الحروب استعصاءً في التاريخ الاستعماري بشمال إفريقيا، بل لأنه كُتب بعيون شاهد عيان كان في قلب الأحداث، يراسل من المغرب صحيفة التايمز البريطانية، ويلتقي وجهاً لوجه بأبطال الصراع من الجانبين.

كتاب خطير بلغة المؤرخ المعاصر

نُشر الكتاب لأول مرة سنة 1927، بعد عام واحد فقط من نهاية حرب الريف التي هزّت “دعائم إمبراطوريتين مزدوجتين” كما وصفها المؤرخ المغربي جرمان عياش في كتابه “أصول حرب الريف”. ويمثل بذلك توثيقًا مباشرًا للحرب من داخل الميدان، من خلال قلم رجل عرف المغرب عن قرب، وعاش فيه منذ 1887، بل وكان شاهدًا على دخول الاستعمار، وأحد أهم الأصوات الصحفية التي رسمت صورة المغرب في المخيال الغربي قبل وبعد الحماية.

يتكوّن الكتاب من 13 فصلًا تغوص في خلفيات النزاع الاستعماري حول المغرب، متتبعةً سلسلة الأحداث التي مهدت للحرب، من الاتفاق الودي الفرنسي-البريطاني سنة 1904، إلى تدخلات فرنسا وإسبانيا في الريف، وصولاً إلى الإنزال العسكري المشترك في ساحل الحسيمة سنة 1925.

تفاصيل الحرب وتكالب القوى الكبرى

يتناول هاريس بدايات التدخل الإسباني في الشمال، والمصاعب التي واجهتها القوات الإسبانية أمام مقاومة الريفيين بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، مسلطاً الضوء على كارثة أنوال التي هزّت إسبانيا، ثم ينتقل إلى الحديث عن منطقة جبالة وزعيمها الشهير أحمد الريسوني، والعلاقات المعقدة بينه وبين الإسبان، وكذلك حصار مدينة شفشاون من قبل القوات الريفية.

ويُفرد المؤلف مساحة مهمة للتدخل الفرنسي، بدءًا من معاهدة الحماية سنة 1912، ومروراً بتعيين اليوطي كمقيم عام، ومساهمته في تأسيس إدارة مركزية حديثة، وصولاً إلى المعركة الشهيرة في نهر ورغة بين القوات الفرنسية ومقاتلي الريف سنة 1925. كما يتوقف عند مفاوضات مؤتمر وجدة، الذي فشل بسبب تعنت الفرنسيين والإسبان، وانتهى بتشكيل تحالف عسكري بينهما للقضاء على جمهورية الريف.

محمد بن عبد الكريم: “الخصم الشرير” في عيون هاريس

الكتاب يحمل نبرة أكثر جدية من مؤلفات هاريس السابقة، ويتخلى عن أسلوبه الساخر المعروف، ليحل محله سرد تحليلي صلب، تُقدَّم فيه شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي بوصفه “الخصم الشرير”، مدفوعاً، حسب هاريس، برغبة في الانتقام من إسبانيا بعد سجنه في مليلية. ويرى هاريس أن انتصار الخطابي كان سيقود إلى مستقبل غامض للريف، مفضلاً “الحداثة الاستعمارية” التي مثلتها فرنسا وإسبانيا.

لكن في المقابل، يتجاهل هاريس بشكل لافت الإصلاحات المؤسساتية التي قام بها الزعيم الريفي في إطار مشروعه الجمهوري، والتي مهّدت لما سيعرف لاحقًا بالحركة الوطنية المغربية.

قيمة الترجمة وسياقها

تبرز أهمية الترجمة التي أنجزها الزكري في قدرتها على إعادة هذا العمل إلى الضوء بعد قرن على صدوره، في ظرفية لا تزال فيها حرب الريف تشكّل واحدة من أكثر فصول التاريخ المغربي إثارة للجدل، والتأمل، والتحليل. وقد حرص الزكري، وفق ما كتبه، على إبراز نظرة هاريس كمؤرخ معاصر يوثق الحدث من قلبه، ويرافقه بمراسلات وصور نادرة، من بينها مراسلات شخصية مع الزعيم الخطابي.

وتفتح الترجمة المجال أمام الباحثين وعموم القرّاء لفهم أعمق للديناميات الاجتماعية والسياسية التي صنعت تلك المرحلة، ولتمثلات الغرب حيال الريف وأبطاله، وللصورة التي رسمتها الصحافة الغربية لمغرب في قبضة الاستعمار والصراع المسلح.

من هو والتر هاريس؟

ولد والتر هاريس سنة 1866 بلندن، وبدأ الترحال في سن مبكرة قبل أن يحط رحاله بالمغرب سنة 1887، حيث استقر بمدينة طنجة التي ظلت مقره حتى وفاته سنة 1933. وكان هاريس مراسلًا لصحيفة التايمز، يتمتع بعلاقات وثيقة مع دوائر القرار في المغرب وبريطانيا وفرنسا، وكان صديقًا لآخر سلاطين المغرب المستقل، وفي الآن ذاته على صلة وطيدة بالريسوني، واليوطي، وبن عبد الكريم، ما جعله مصدرًا فريدًا لتوثيق الحقبة.

كتب هاريس عدة مؤلفات عن المغرب، من أبرزها: “المغرب الذي كان” (1921)، و*“أرض سلطان إفريقي”* (1889)، وها هو عمله الأهم والأخير “فرنسا، إسبانيا وحرب الريف” يعود اليوم في حلة عربية راقية عبر جهود الأستاذ حسن الزكري.

أخيرا..

هذا الإصدار ليس مجرد ترجمة لكتاب، بل هو استعادة لذاكرة تاريخية منسية، ورؤية جديدة لحدث هزّ شمال المغرب وغير مجرى تاريخه، بقلم رجل كان هناك، في قلب الحدث. ومن خلال هذه الترجمة، يقدم حسن الزكري خدمة جليلة للباحثين والقراء في المغرب والعالم العربي، بفتح نافذة نادرة على أحد أكثر فصول التاريخ المغربي تعقيدًا وغموضًا

بعد مائة عام من صدوره.. كتاب “فرنسا إسبانيا وحرب الريف” يصدر لأول مرة بالعربية

بعد مائة عام من صدوره.. كتاب “فرنسا إسبانيا وحرب الريف” يصدر لأول مرة بالعربية

المصدر

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

Related Posts

15 مايو 2025

خطبة الجمعة.. بلاغ جديد لوزارة الأوقاف هذا ما جاء فيه

15 مايو 2025

الاعتداءات المتكررة تُشعل الاحتجاجات داخل مستشفى الحسيمة

15 مايو 2025

مطار مدريد يتحول إلى “فندق مجاني” للمشردين.. والسلطات تُطلق خطة الإخلاء

15 مايو 2025

أول محرك سيارة “صُنع في المغرب” يُثير الذعر في إسبانيا