بعيداً عن الطروحات العاطفية أو التأويلات السطحية التي رافقت قرار جلالة الملك محمد السادس الإهابة بالمغاربة عدم إقامة شعيرة ذبح الأضحية هذه السنة ، أوضح عدد من العلماء والباحثين المتخصصين في الشأن الديني أن القرار ينتمي إلى صميم الفقه المقاصدي الذي يضع الحفاظ على النفس والمال ضمن أولويات الشريعة الإسلامية.
العلامة الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أكّد في تصريح سابق أن شعيرة الأضحية ليست فرضاً عينياً، بل سنة مؤكدة، تُعلّق وجوباً على الاستطاعة، استناداً لقوله تعالى: “لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها”.
وأضاف: “عندما يتحول أداء الشعيرة إلى عبء اقتصادي ونفسي على ملايين الأسر، ويؤدي إلى مظاهر سلبية كالدين أو الغش في الأسواق، فإن تركها أولى، اتساقاً مع مقاصد الشريعة”.
القرار ليس معزولاً عن سوابق تاريخية في تراث الأمة الإسلامية، فقد أورد باحثون أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سبق أن علّق أداء فريضة الحج بسبب تفشي الطاعون، وهي سابقة قوية تثبت أن تعطيل بعض الشعائر، حتى الفرض منها، جائز بل واجب أحياناً عند حلول الضرورة.
وبالمثل، أُلغيت صلاة الجمعة والجماعة في مساجد عديدة حول العالم إبّان جائحة كوفيد-19، حفاظاً على أرواح الناس، دون أن يُشكك العلماء في شرعية هذا التعليق المؤقت،
فالظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المغرب حالياً هي من بين أبرز الدوافع العملية خلف دعوة جلالة الملك.
تشير تقارير رسمية صادرة عن وزارة الفلاحة إلى أن الموسم الفلاحي الحالي هو من بين الأسوأ خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بفعل شح الأمطار، مما أدى إلى تراجع إنتاج الأعلاف وغلاء أسعار الماشية، حيث تجاوز ثمن الكبش الجيد في بعض الأسواق 5000 درهم، وهو ما يعادل أجر شهرين لبعض المواطنين.
كما أن الأسر الفقيرة والمتوسطة كانت تواجه معضلة بين توفير متطلبات الحياة الأساسية من غذاء وسكن وماء وكهرباء، أو الإنفاق على شعيرة لا تعد فرضًا في الإسلام.
إن دعوة جلالة الملك محمد السادس لعدم إقامة شعيرة الأضحية هذه السنة تجسد فهماً عميقاً للمقاصد الشرعية من جهة، ولواقع الناس وظروفهم من جهة أخرى، وهو قرار يستدعي الوقوف عنده بوصفه اجتهاداً شرعياً مؤسساً، يهدف إلى تحقيق التوازن بين تعظيم شعائر الله، وحفظ كرامة الإنسان ومعيشته.
تعليقات الزوار ( 0 )