في ظل الانتشار المتزايد لاستخدام العملات المشفرة حول العالم، تتزايد بالموازاة المخاوف المرتبطة بمخاطر النصب والاحتيال، خاصة في السياقات التي يغيب فيها التأطير القانوني والتكوين المالي الكافي، ورغم أن هذه “الشفريات”، كما يسميها بعض الخبراء، فتحت آفاقا واسعة للاستثمار والابتكار الرقمي، إلا أنها تحولت في حالات كثيرة إلى فخاخ مالية تهدد مدخرات الأفراد واستقرارهم الاجتماعي.
وحذر الخبير المالي طلال لحلو من تصاعد مخاطر الاحتيال المرتبطة بما يعرف اصطلاحا بالعملات الرقمية، مشددا على أن هذا التوصيف العام لا يعكس الواقع بدقة، لأن ما يتداول تحت هذه المظلة يتنوع بين ما هو عملة، وما هو سلعة أو خدمة، وما هو ببساطة خديعة منظمة، واعتبر أن التسمية الأدق لهذه الأدوات هي “الشفريات”، لكونها تشترك في خاصية التشفير لا غير.
وفي حديثه لموقع كشـ24، أوضح لحلو أن ظاهرة الاحتيال ليست حكرا على مجال العملات المشفرة، بل توجد في العقار، والأسواق، والاستثمارات، وأن مواجهتها لا تتحقق فقط بالتشريعات بل بالتكوين والوعي الأخلاقي والفقهي، خصوصا في مجال المعاملات المالية، فالفرد الذي يلم بأبجديات فقه المعاملات سيكون قادرا على التعرف على صور النصب من أول وهلة، سواء تعلق الأمر بضمان رأس المال في الاستثمار، الذي يدخل في باب الربا أو بعمليات قمار مقنعة أو بيوع مجهولة تدخل في باب الغرر.
واعتبر الخبير المالي أن أخطر ما في هذا النوع من الاحتيال هو نتائجه الاجتماعية الكارثية، من فقدان ادخارات العمر، إلى تفكك الأسر، بل وارتكاب جرائم ناتجة عن الصدمات المالية، خصوصا مع صعوبة تتبع التحويلات في عدد من العملات المشفرة، مما يجعل استرجاع الأموال شبه مستحيل.
وعن تأثير العملات المشفرة على الاقتصاد المغربي، أشار لحلو إلى أن “الشفريات” تحولت عالميا إلى قطاع ضخم يتجاوز في حجمه اقتصادات دول بأكملها، ويدر دخلا على ملايين المستخدمين، ويساهم في تسريع التحول الرقمي، غير أن المغرب، حسب المتحدث، تأخر عن اللحاق بهذه الدينامية بسبب الموقف المتشدد لمكتب الصرف الذي دفع المستخدمين المغاربة إلى اللجوء إلى هذه العملات خارج الأطر الرسمية، مما فوت على الاقتصاد الوطني فرصة استثمار الكفاءات والمشاريع في هذا المجال.
وفي هذا السياق، تأسف لحلو على ما أسماه بالتقنين الزاجر الذي لا يمنع الابتكار، بل فقط يمنع المغرب من الاستفادة منه، ويجعل طاقاته الشابة تتوجه نحو الخارج، خصوصا نحو الخليج وآسيا، حيث توجد بيئات قانونية أكثر مرونة، وأشار إلى أن مشروع القانون الذي أعده البنك المركزي لتقنين العملات المشفرة يظل خطوة متأخرة، في وقت يتسارع فيه تطور هذا القطاع عالميا بشكل غير مسبوق.
وعن إمكانية مواجهة هذه التحديات، شدد لحلو على ضرورة التركيز على التربية المالية والتمكين الفقهي في التعاملات المعاصرة، مشيرا إلى غياب شبه تام لهذا النوع من التعليم في المقررات الدراسية، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة لعمليات النصب، كما دعا إلى إصلاح عميق في منظومة القضاء لضمان حقوق المتضررين، وإلى الانفتاح على الاستثمارات والابتكار بدل التعامل بمنطق الردع والعقاب فقط.
وفي ما يتعلق بمستقبل التقنين، أكد لحلو أن مشروع القانون جاهز على مستوى البنك المركزي، لكنه لم يناقش بعد في البرلمان، ولا يتوقع أن يواكب سرعة تطور هذا القطاع، ومع ذلك، عبر عن تفاؤله بأن يكون للمغرب دور في هذا المجال مستقبلا، شرط توفر رؤية إصلاحية تعلي من قيمة الإبداع وتفتح المجال أمام استثمارات دولية تبحث عن بيئات قانونية ملائمة ومؤسسات قضائية شفافة.
تعليقات الزوار ( 0 )