عبد الله بوصوف
حضور المغرب كضيف شرف في معرض الكتاب بباريس في أبريل الجاري… ليس بسابقة، بل هو الثاني بعد نسخة سنة 2017… لكن سياقات نسخة 2025 تجعله حضورًا بعدة خصوصيات ودلالات أقواها أنها جاءت بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء وزيارة الدولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتوقيع جيل جديد من عقود الشراكات الاستراتيجية، ثم افتتاح مركز ثقافي فرنسي بالأقاليم الصحراوية من طرف السيدة “رشيدة داتي” وزيرة الثقافة الفرنسية التي أعلنت عن هذا الحدث الثقافي / التاريخي…
الجميل في المشاركة المغربية أنها شملت كتّابًا وأقلامًا ووجوهًا فكرية ومدنية… تمثل عدة تيارات فكرية وإيديولوجية… سواء تلك المقيمة بفرنسا أو المقيمة بالمغرب… لكنها بصفة أو بأخرى فهي تكتب وتنتج باللغة الفرنسية أو التيار الفرنكفوني… وهي أسماء وقامات أدبية وفكرية ليست في حاجة إلى تعريف… كما أنه ليس مهمًا التدقيق في توصيف أو تحديد جنس إنتاجها الأدبي والفكري بين “أدب المهجر” أو “الكولونيالي” أو غير ذلك… لأنها تمثل تجارب شخصية وسرديات أحلام وانكسارات وآمال وآلام العديد منهم ومنهن… قد نتفق مع بعضها وقد نختلف… لكنها تقف كلها عند نقطة البدء والمنطلق أي المغرب… إذ لا زال الوطن يسكن رواياتهم وأشعارهم، ولا زالت العادات والتقاليد… وذكريات طفولتهم وأسفارهم… هي مادة اشتغالهم… وهم في ذلك سيّان سواء تعلق الأمر بالكتاب الذين ازدادوا في المغرب ثم عاشوا في المهجر، أو أولئك الذين ازدادوا في بلاد المهجر… واستحقوا بذلك جوائز أدبية مرموقة سواء في فرنسا أو بلجيكا أو الكيبيك أو غيرها…
لكنه من الضروري التذكير بوجود كتاب مغاربة حافظوا على فصاحة لسانهم العربي بالمهجر سواء كإعلاميين أو كتاب مرموقين… كما أنه ضروري التأكيد على دور هؤلاء الكتاب والمفكرين والإعلاميين المغاربة في الضفة الأخرى في بناء جسور التعايش بين مختلف الثقافات وتأثيث الذاكرة الجماعية بالمهجر بتجارب رائعة ورائدة في عدة مجالات على رأسها فن العيش والتعايش مع الآخر وتقبل اختلاف ذلك الآخر…
إننا نفخر بالعديد من الإعلاميين من مغاربة العالم… وبحضورهم القوي وأدائهم المهني وبإتقانهم للغات عديدة… إذ راكموا خبرات إعلامية كبيرة… وهم أيضًا جسور ثقافية مهمة ونموذج العمل الذؤوب والاجتهاد… لائحة طويلة من الفنانين والرياضيين الذين نقرأ أسماءهم بكل افتخار على شاشات التلفزيون ومنصات الإعلام… إذ رفعوا راية الوطن عاليًا وساهموا بقوة في التأهيل لدور نصف النهاية في مونديال قطر 2022 كإنجاز رياضي غير مسبوق… وساهموا بقوة في تسويق اسم المغرب الرياضي الشغوف بكرة القدم ويستحق أن ينظم كأس العالم…
ولائحة أخرى من المؤثرين وصناع المحتوى والجمعيات من مغاربة العالم… يبذلون جهودًا كبيرة في الدفاع عن المقدسات الوطنية والترابية… ويقدمون قراءات تاريخية بلغات بلدان إقامتهم للرأسمال اللامادي المغربي سواء تعلق الأمر بالزليج أو القفطان أو الطبخ أو الفخار والمعمار المغربي…
فكل تلك الفئات والشخصيات هم بحق “سفراء تمغرابيت” في بلدان إقامتهم.. يقدمون صورة المغرب بالخارج في أبهى حلة… المغرب المجتهد الطموح المتفاني والمتفائل…
وأمام كل هذه الإنجازات الوطنية والإنسانية والإشادات الملكية المتعددة في أكثر من خطاب سامي بالدور القوي لمغاربة العالم في الدفاع عن المقدسات الوطنية والمساهمة في التنمية… فإن كل ما قمنا به من دراسات حول الإعلاميين والشعراء والأدباء والمفكرين والرياضيين وأعمال الترجمة للعديد من الروايات والسير الذاتية والدواوين الشعرية لمغاربة العالم… يجب أن يكون مقدمة لمجهودات أكبر وأقوى… لفائدة فئة وصفها ملك البلاد “بالفئة العزيزة”… وإرهاصات الإعلان عن “وكالة ثقافية” طالبنا بها منذ زمن وأقرها النموذج التنموي الجديد… قد يجد فيها الكتاب والموهوبون بعض ضالتهم…
لذلك فإن مشاركة مغاربة فرنسا؛ كتّابًا وفنانين وروائيين… في معرض الكتاب بباريس هو دعم لمستقبل مشترك ولشراكات استراتيجية بين بلدهم الأصلي (المغرب) وبلد الاستقبال (فرنسا)… من جهة، وإغناء التواجد النوعي لكتاب وموهوبين مغاربة بالمهجر من جهة ثانية، وتوثيق شهادات ومسارات إنسانية ضمن جنس “أدب المهجر” من جهة ثالثة… كما أن الاحتفاء والاحتفال بمغاربة العالم في معرض الكتاب بالرباط هذه السنة هو ترسيخ لثقافة الاعتراف لمغاربة تميزوا في بلدان الاستقبال في مجالات الفكر والإبداع والفنون… ويوقعون في كل يوم صفحة جديدة من “الحلم المغربي” في كتاب جماعي… سفراء تمغرابيت…
المصدر

كتب في 17 أبريل 2025
تعليقات الزوار ( 0 )