مما لا شك فيه أن المغاربة من أكثر شعوب العالم عشقا لكرة القدم، انطلاقا من تشجيعهم اللامشروط للمنتخب المغربي ومتابعتهم اللامتناهية لجميع الأندية الوطنية، وصولا إلى حبهم الكبير لمباريات الدوريات العالمية المثيرة.
حب المغاربة للساحرة المستديرة ليس نابعا من فراغ فجذوره تمتد إلى مرحلة ظهور هذه الرياضة بالمغرب خلال فترة الحماية، وذلك بعدما أدخلها الأوروبيون إلى المملكة الشريفة.
إن كرة القدم كما وصفها الاسطورة العالمي زين الدين زيدان عاطفة، شغف، ومصدر دائم للإلهام، كما توحد القلوب قبل الكلمات، ربما لهذا السبب تساءل نجم يونايتد عن كيفية عيش من لا يحب كرة القدم.
إن أقل شخص متابعة للأحداث الكروية الوطنية مدرك تماما بأن هذا العشق يختلف من مدينة لمدينة أخرى فلا يمكن أن تأتي أمامك صورة البيضاويين دون استذكار هوس أغلبهم بالساحرة المستديرة، وتفاعلهم المبهر مع أنديتهم المفضلة.
لا يمكن الحديث عن عشق المغاربة لهذه الرياضة دون تسليط الضوء على ساكنة مراكش التي كانت محظوظة بدورها بعيش أمجاد كبرى رفقة ناد المدينة العريق الكوكب المراكشي.
ففي سنة 1947، خلال السنة نفسها التي ألقى خلالها المغفور له الملك محمد الخامس خطاب طنجة، جرى تأسيس الكوكب الرياضي المراكشي (KACM)، وهو فريق شعبي من أحياء المدينة القديمة، وتحديدًا من حي النجاح.
إن ظهور هذا الفريق الرياضي خلال الفترة المذكورة يعكس تلاحما كبيرا بين الشعب وملكه بهدف ضمان استقلال المغرب، فإنشاء فريق محلي يديره أبناء مراكش والاستحواذ بالتالي على قيادة المنافسة من خلال استيعاب فرق مثل ASM و SAM في عام 1956، عام الاستقلال، هو دليل إضافي على أن كرة القدم قوة ناعمة قوية جدًا استخدمها المغاربة دائمًا لترسيخ سيادتهم.
وحقق النادي المراكشي إنجازات تاريخية خلال الفترة الممتدة من 1958 إلى 1968، حيث سيظل القرن العشرين شاهدا على عصر ذهبي بدأ بتحقيق بطولة المغرب عامي 1957 و 1958، وكأس العرش في مواسم 1963-1964 و 1965، ليصبح بذلك الفريق الوحيد الذي حقق هذا الإنجاز حتى الآن.
ولأن “المجد لا يدوم” كما أكد الكاتب المسرحي الأيرلندي جورج برنارد شو، مر “فارس النخيل” من عام 1968 إلى عام 1984، بفترة عصيبة، حيث لم يتمكن من تجديد صفوفه، وتقدم لاعبوه في السن، مما أدى لهبوطه إلى القسم الثاني، وفقد بريقه بعدم فوزه بأي لقب، ليتخلى بعد ذلك جمهوره عنه، ولم يعد يتعرف على اللاعبين ولا على المسيرين الذين كانوا يتخبطون بلا رؤية ولا استراتيجية واضحة.
وخلال الفترة الممتدة من 1984 إلى 1999 تمكن المراكشي محمد المديوري، الذي كان رئيسا للأمن الخاص للملك الحسن الثاني، ورئيسا للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى والجامعة الملكية المغربية للتايكواندو، من التحكم في زمام الأمور وتحقيق نوع من التوازن وبث روح جديدة في الفريق من خلال إدخال قواعد جديدة للإدارة والتواصل والتسويق، لا سيما من خلال تبني استراتيجية مالية مبتكرة، وتوقيع عقود رعاية مع شركات مثل بريد المغرب ودوليدول وفولفو.
وقام المديوري بتطوير علامة “KACM” التجارية من خلال إنشاء متاجر حول ملعب الحارثي لبيع منتجات النادي، مما عزز هوية النادي وظهوره، كما قام هذا الأخير ببناء مجمع سياحي وتجاري حول ملعب الركبي القديم الذي أعيد تسميته باسم العربي بنمبارك، مما أدى إلى توليد مصادر دخل جديدة لضمان استدامة تمويل النادي.
وتعتبر هذه الفترة بمثابة نهضة النادي، الذي نجح في العودة إلى القسم الأول، وخلالها توج النادي بلقب بطولة المغرب في موسم 1991/1992، وحل ثانيًا في المواسم: 1986/1987، 1987/1988، 1997/1998، 1998/1999. كما فاز بكأس العرش في الأعوام: 1987، 1991 و 1993، ووصل إلى النهائي عام 1997. وفي عام 1996، نجح النادي في الفوز بكأس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم لأول مرة في تاريخ كرة القدم المغربية.
واجه الفريق مجددا فترة صعبة، ما بين 1999 و 2011، شهدت هبوطه إلى القسم الثاني عام 2005، ثم صعوده في الموسم التالي بفضل تدخل الرئيس واللاعب السابق الطاهر الخلج، كما تميزت هذه العشرية بمشاكل مالية كبيرة لم يتمكن خلالها “KACM” من الوفاء بالتزاماته تجاه لاعبيه وطاقمه، وسادت حالة من الغموض التام، وهو ما كان ينطبق على العديد من فرق القسم الأول باستثناءات قليلة.
في عام 2011، أطلقت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (FRMF) إصلاحًا طموحًا لاحتراف كرة القدم الوطنية. كان الهدف منه تحديث إدارة الأندية، وتحسين الأداء الرياضي، ومواءمة البطولة المغربية مع المعايير الدولية. تطلب تطبيق النصوص التنظيمية الكثير من التوعية لتغيير العقليات والانتقال من الهواية إلى الاحتراف.
اعتبارًا من ذلك الحين، أصبح كل نادٍ ملزمًا بالهيكلة كشركة مساهمة رياضية، مع إدارة مالية صارمة تخضع لضوابط منتظمة. ويتعين على المسؤولين تلبية دفتر تحملات صارم يتعلق بالبنية التحتية والتدريب والتأطير الطبي والإداري. أما اللاعبون، فيوقعون عقودًا احترافية ويتطورون في بيئة أكثر استقرارًا وتنظيمًا.
بالتوازي مع ذلك، عززت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نظام الحقوق التلفزيونية، وشجعت الأندية على تطوير تسويقها، وحثت على بناء مراكز تدريب وملاعب وفقًا للمعايير الحديثة. يمثل هذا الإصلاح بالتالي تغييرًا في الثقافة، حيث لم تعد كرة القدم المغربية مجرد شغف، بل أصبحت أيضًا مشروعًا ورؤية طويلة الأجل.
وفي هذا السياق، لم يتمكن الكوكب المراكشي من مواكبة التحول إلى الاحتراف، واستمر في إدارته بطريقة تقريبية للغاية مع قواعد مرفوضة من قبل كل من الفيفا والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
وتميزت الفترة الممتدة من 2011 إلى الحين بتوالي العديد من الرؤساء والمدربين واللاعبين، في حين حرم المشجعون منذ سنة 2015 من ملعب الحارثي، واضطروا إلى التنقل إما إلى الملعب الكبير بمراكش أو إلى ملعب سيدي يوسف بن علي.
إن أغلب المراكشيين حريصون بشكل كبير على مساندة فريقهم في السراء والضراء، وكلهم أمل في إعادة إحياء فترة المجد، بينما يتخبط النادي في أزمة مالية لا تبدو لها نهاية.
الدليل على حب المراكشيين لناديهم ظاهر بشكل جلي في صفحات النادي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تضم صفحة الفيسبوك 167 ألف متابع، ويبلغ عدد متابعي حساب إنستغرام 94.2 ألف متابع، بينما تحقق البثوث المباشرة لمباريات النادي نسب مشاهدات مهمة، كما تتحول النبايات والعمارات المجاورة لملعب سيدي يوسف إلى مدرجات خلال مباريات “فارس النخيل”.
ونظرا لكونها الوجهة السياحية الأولى في المملكة، فإن مدينة مراكش تستحق فريقا كبيرًا يمتلك جميع الوسائل اللازمة، وهو الشيء الذي سيعزز جاذبيتها لزبائن يدرجون كرة القدم في جدول سفرهم، ولما لا التعرف على تاريخ هذا النادي العريق، فإذا كان ملعب الحارثي غير قادر على استضافة المنافسات لأسباب أمنية من الأفضل أن يتم التفكير في تحويله لمتحف كرة قدم يحمل حكايات أمجاد الكوكب المراكشي.
الكوكب المراكشي قريب أكثر من أي وقت مضى لتحقيق حلم الصعود، لكن السؤال الذي يطرح هنا هل سيستطيع النادي مواكبة السرعة التي أخذت تتطور بها مجموعة من الفرق المغربية، وهل مسؤولوه قادرون على فرض كرة قدم حديثة وصارمة على مستوى الادارة، واعتماد رؤوس أموال كبيرة وانتدابات فعالة؟.
المصدر: كشـ24 ـ “blogtrotter”
تعليقات الزوار ( 0 )