ناظورسيتي:
في لحظة عابرة، ودون أن يكون في باله أن يصنع التاريخ، غيّر ابن الريف بنعلي المنصوري مسار أحد أقوى رموز السيادة المغربية: النشيد الوطني. لم يكن شاعرًا، ولا موسيقيًا، بل مسؤولًا رفيعًا في الدولة، رافق الملك الحسن الثاني في أكثر من مهمة، قبل أن يُكلَّف رسميًا بمهمة خاصة لدى ملك إسبانيا خوان كارلوس سنة 1985.
وخلال إقامته في أحد فنادق مدريد، وبينما كان يتابع القناة الإسبانية الأولى، وقعت عيناه على نهاية البث الليلي مصحوبًا بالنشيد الوطني الإسباني. لم يكن الأمر غريبًا… إلى أن لاحظ أن النشيد يُؤدى بكلمات قوية. حينها فقط تساءل: “ولماذا نشيدنا المغربي بلا كلمات؟”
ذاك التساؤل العفوي، كما يروي المنصوري نفسه في مذكراته، تحول إلى هاجس داخلي. فعزم على أن يفتح الموضوع مع الملك فور عودته. وبالفعل، وبعد إبلاغ الحسن الثاني بتفاصيل مهمته الدبلوماسية، استجمع شجاعته وتحدث إليه — لا في مجلس رسمي، بل في ملعب الكولف بالصخيرات!
المفاجأة؟ أن الملك الحسن الثاني تأمل قليلًا، ثم استحسن الفكرة فورًا. وبنظرة حاسمة التفت إلى إدريس البصري، وزير الداخلية والإعلام آنذاك، وأمره بمتابعة تنفيذ المقترح “في أسرع وقت ممكن”.
تحركت آلة الدولة سريعًا. لجنة أُحدثت، وشعراء تباروا، ليظفر شاعر فاس، علي الصقلي، باختيار قصيدته الشهيرة “منبت الأحرار”، وتُصبح الكلمات التي كتبها تُردَّد في كل مدرسة، وفي كل مناسبة وطنية، بل وفي كل محفل دولي يمثل فيه المغرب.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن الشرارة الأولى لم تأتِ من شاعر ولا فنان… بل من رجل من الريف شاهد نشيدًا إسبانيًا في ليلة مدريدية عادية، فغرس الفكرة في عقل الملك، وغيّر التاريخ من دون أن يقصد.
هكذا، دخل ابن الريف بنعلي المنصوري ذاكرة المغاربة، لا كاتبًا للكلمات، بل كـ**“مُلهم النشيد”**… الرجل الذي أطلق صوت “منبت الأحرار” بعد سنوات من الصمت.
تعليقات الزوار ( 0 )