تحدث عدوى فيروس العوز المناعي البشري (HIV) (الإيدز) لدى الأطفال جراء إصابتهم بالفيروس، وغالبا ما تكون نتيجة الانتقال العمودي من الأم إلى الطفل، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالزواج المبكر، ونقل الدم، والاعتداء الجنسي. وبالإضافة إلى معاناتهم من أعراض المرض يواجه المرضى، وخاصة الأطفال، معاناة أخرى مرتبطة بنظرة المجتمع القاسية.
وعملت دراسة حديثة قائمة على الملاحظة على إظهار التجربة النفسية للأطفال المصابين بفيروس العوز المناعي البشري، ولاسيما الوصم الذي يؤدي عند غالبية الحالات المصابة إلى الفشل العلاجي، كما تهدف إلى اقتراح أفضل تدبير نفسي للمرضى بالموازاة مع التدبير السريري.
قلة الإبلاغ
كشفت الدراسة التي أعدها مروان الودني، الدكتور بقسم الأمراض المعدية والمناعاتية عند الطفل بمشفى عبد الرحيم الهاروشي، تلقي ما مجموعه 800 طفل العلاج الثلاثي المضاد للفيروسات القهقرية (antiretorvirals) سنة 2020، أي ما يمثل 5 بالمائة من مجموع المصابين بفيروس العوز المناعي البشري تحت العلاج، وهو رقم لا يعكس الوضع الحقيقي لعدوى فيروس العوز المناعي البشري لدى الأطفال بسبب فقدان المتابعة وقلة الإبلاغ عن وفيات كل من الأطفال المصابين وأشقائهم الذين لم يتم تشخيصهم بعدوى الفيروس.
وحسب الدراسة التي توصلت بها هسبريس فإن أمد حياة الأشخاص المصابين بفيروس العوز المناعي البشري تحسن بفضل “العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية”، وخاصة بين الأطفال، إلا أن المعاناة النفسية باقية وتنتج في معظم الأحيان عن الوصم “stigmatisation”، ما يشكل عامل ضغط نفسي للمرضى، يجب اعتباره جزءا لا يتجزأ من الرعاية الصحية لضمان فعاليتها. كما تؤثر الاضطرابات النفسية والوصم الاجتماعي بشكل كبير على جودة حياة المرضى والتزامهم بالعلاج.
واعتمدت هذه الدراسة على تحليل وتوصيف 7 حالات واجهت صعوبات في ما يخص الوصم المجتمعي أو الوصم الذاتي بعد الإعلان عن تشخيص إصابتها بفيروس العوز المناعي البشري. وتم إجراء الدراسة على مدى 18 شهرا داخل قسم الأمراض المعدية والمناعة السريرية F1. وشمل البحث حالات الأطفال الذين تم تأكيد إصابتهم بالفيروس، بالإضافة إلى الأطفال الذين تتم متابعتهم لمدة لا تقل عن سنة، والذين تم الإعلان عن إصابتهم (الطفل و/ أو الوالدان)، وتم استبعاد جميع الحالات التي كان تحليلها صعبا جدا، خاصة الأطفال الذين تم تشخيصهم حديثا وأولئك الذين يواجهون صعوبة في المتابعة (بعد مكان الإقامة وإحجام الأسرة).
خمسة مشاكل
وسمحت دراسة الحالات الطبية السبع بتمييز 5 مشاكل رئيسية لدى الأطفال المصابين بفيروس العوز المناعي البشري، ناجمة عن إعلان تشخيصهم، وتتضمن أنواعا مختلفة من الوصم الاجتماعي والوصم الذاتي، وهي عدم الامتثال العلاجي، ومشاكل الدراسة، وعدم انتظام المتابعة، وكذا الانسحاب والانعزال، ثم الفشل العلاجي.
وقسمت الدراسة ذاتها حياة الطفل المصاب إلى ثلاث مراحل رئيسية من الطفولة إلى البلوغ: الفترة الأولى، فترة البراءة التي يستعد فيها الوالدان للإفصاح عن التشخيص أو السر، والمرحلة الثانية، الإفصاح عن الإصابة، وفيها يمكن أن يحدث الإنكار لدى الطفل، أي الوصم أمام الإفصاح، وبالتالي الوصم الذاتي، ثم المرحلة الثالثة المتمثلة في التحضير للانتقال الطبي نحو قطاع الكبار أو المرور إلى مرحلة البلوغ.
ويسبب الإفصاح عن فيروس العوز المناعي البشري لدى الطفل صدمة للوالدين، خاصة الأم، ويجعلهما هذا الإعلان يشعران بالذنب، إذ نلاحظ أن مختلف ردود الفعل المرتبطة بالخوف من الموت موجودة بالفعل، بما فيها الإنكار والشعور بالذنب وبالغضب من الذات وأحيانا من الطاقم الطبي الذي لم يتمكن من منع انتقال العدوى في حالة الطفل بعد فحص الأم والأسرة، ما يزيد من حدة القلق، ونتيجة لذلك لا تكون الأم قادرة على القيام بدور “الأم الجيدة” التي تدعم طفلها نفسيا، فيصبح أكثر ضعفا بسبب ضعف والدته، وفق المصدر ذاته.
كما أوردت الدراسة أن الوصم ليس مفهوما اجتماعيا غامضا، بل قضية صحة عامة حقيقية، ولها تأثير سلبي على الوقاية من العدوى والفحص والحصول على الرعاية والتعليم والالتزام بالعلاج وإدارة صحة المصابين. ويعد أخذ الوصم الاجتماعي بعين الاعتبار أمرا ضروريا لضمان الدعم الطبي والنفسي الأمثل للأشخاص المصابين بالفيروس، وكذلك في الحرب ضد الوباء.
وحسب ما ورد في الدراسة فإن المستشفى الجامعي عبد الرحيم الهاروشي التابع المركز الاستشفائي الجامعي (CCHLI) بالدار البيضاء يعد مركزا مرجعيا للأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، من جميع أنحاء البلاد، بالنظر إلى موقعه الجغرافي، وتتم فيه رعاية الأطفال المصابين بفيروس العوز المناعي البشري بقسم الأمراض المعدية والمناعة السريرية، المعروف باسم طب الأطفال 1 (1).
تعليقات الزوار ( 0 )